Pages

تفسير صورة الأقمار الصناعية- احمد عثمان


احمد عثمان
تتحدث وسائل الإعلام كثيراً عن قدرة الأقمار الاصطناعية على دقة التصوير والتجسس من الفضاء الخارجي، وتدعي وسائل الإعلام أن الأقمار الاصطناعية لديها القدرة على قراءة أرقام رخصة القيادة، وهناك روايات عن أقمار تجسس تميز بين وجهي عملة معدنية ملقاة على الأرض، وأن هناك صورة التقطها قمر صناعي يظهر فيها رجلاً في سيبيريا وهو يقرأ في صحيفة - البرافدا - وأنه بالإمكان تمييز العناوين الرئيسية وقراءتها، وأنه بالإمكان تحديد جنس هرة ما، ذكر أم أنثى، وقد نشرت صحيفة نيوزويك، عن ستانس فيلد تورنر مدير سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، أن قمر التجسس الأمريكي يستطيع أن يميز البقرة ذات السلالة الصافية عن البقرة الهجين، ونشر التقرير في 6 فبراير عام 1987م. هذه الادعاءات وإن كانت حقيقة إلا أنها لم تقل كثيراً عن قدرة القمر الاصطناعي Kh-11 الكشفية. فإن تحديد جنس الهرة ونوعية البقرة يمكن أن يتم من خلال حجمها. فلا يوجد قمر صناعي يستطيع قراءة صحيفة من الفضاء أو تحديد وجهي العملة المعدنية. أما بالنسبة لصحيفة - البرافدا - فهي تتميز بطريقة توزيع المقالات وطباعتها ولها خاتم مميز لها عن كافة الصحف الأخرى، ويمكن تمييز قطعة النقود بشكل مشابه أيضاً، أما بالنسبة لقراءة أرقام رخصة القيادة ففي مقابلة مع ضابط سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية قال: إن مثل هذه الأقاويل "كلام عار من الصحة". فمن أجل قراءة رخصة قيادة يجب أن يكون القمر الصناعي Kh-11 ذا درجة تمييز أرضي وتحليل يصل إلى نصف بوصة وليس لديه تلك القدرة. إن للقمر Kh-11 درجة تحليل يتراوح من 2 إلى 4 بوصات يمكن معها تمييز رخصة القيادة من الفضاء فقط دون قراءتها. وبالطبع فإن وكالة الاستخبارات الأمريكية ليست بصدد تصحيح معلومات العامة في قول أشياء كهذه، حيث إنها ليست على استعداد لكشف ما يفعله وما لا يفعله القمر الاصطناعي.
احمد عثمان
يتم تفسير الصورة الجوية بواسطة صورة منفردة سوداء وبيضاء. وهي أول خطوة في تفسير أو ما يعرف بقراءة الصور الجوية لمعرفة الأجسام الموجودة على الأرض من ارتفاعات شاهقة. إن رؤيتنا للأشياء تحدث من جهة جانبية لكي نتعرف على ما نراه من أشياء، مثل رؤيتنا للأشخاص والمباني وما شابه ذلك. أم رؤيتنا للأشياء من الجو فيعتمد على دقة التحديد لحجم ما نراه، وكذلك على التحليل الجيد للصورة، كما أنه من السهل تحديد الأجسام الطويلة والرفيعة.
وتبدو الطرق غير المعبدة بألوان خفيفة ويتم تحديدها بطريقة أسهل من المعبدة التي لها منعطفات منتظمة؛ وكذلك خطوط السكك الحديدية التي تبدو قاتمة وضيقة ويصعب تحديدها، ويتم تمييزها بطولها ومنعطفاتها الرقيقة، أما خطوط نقل الطاقة الكهربائية فهي صغيرة جداً ويصعب تحديدها. وتلعب الظلال دوراً هاماً في تحديد الأجسام.
ويظهر جهاز الستيروسكوب الأجسام بشكل مضخم من الناحية العمودية، أي مبنى مكون من طابقين يظهر في هذا الجهاز مثل مبنى مكون من ست طوابق، وإذا علمنا الارتفاع الحقيقي لجسم واحد في الصورة أمكننا حساب ارتفاع جميع الأجسام.
إن استعمال الفيلم الحساس للأشعة تحت الحمراء يساعد كثيراً على تفسير الصور. كما يظهر النبات الأخضر بلون قاتم على الفيلم العادي، بينما يظهر فاتحاً على الفيلم بالأشعة تحت الحمراء، وذلك بسبب الطيف الخاص لامتصاص الكلوروفيل، وعندها يمكننا أن نميز بين النبات الحقيقي والأجسام المطلية باللون الأخضر والمموهة لتظهر على أنها نبات. إن الأشعة تحت الحمراء تظهر الطرق قاتمة وهي مفيدة في فصل الظل عن الجسم الذي يلقيه.
تعطي الأشعة تحت الحمراء معلومات عما يجري داخل البناية أو على الأرض غير المسموح بدخولها. ويمكن تحديد الهيكل الداخلي للبناية وممراتها ومصرف الطاقة، ومستوى النشاط بواسطة تحليل الأشعة الحرارية المنبعثة منها. وكذلك يعتبر التصوير المتعدد الأطياف Multispectral photography على نفس مستوى التصوير بالأشعة تحت الحمراء. ولقد أحدث الكمبيوتر ثورة في عالم تفسير الصور. يمكن خزن الصور رقمياً ومقارنة الصور المتعددة الأطياف بشكل أسهل وأدق، على سبيل المثال: يقوم الكمبيوتر بمعالجة صورة ملتقطة في الحزمة الزرقاء ثم يضعها على صورة ملتقطة في الحزمة الحمراء، بهذه الطريقة يستطيع مفسر الصور أن يرى الفوارق بين الصورتين.
احمد عثمان
إن صورة موقع صواريخ، ملتقطة في الليل، بأشعة تحت الحمراء، يمكن أن تدل على تحركات في بقعة من الموقع، ثم تدل صورة أخرى مماثلة في الليلة التالية على تحركات ونشاطات في بقعة أخرى من الموقع، وبمقارنة الصورتين في الكمبيوتر يعرف مفسر الصورة أين تتركز النشاطات في الموقع.
إن إحدى المميزات الأساسية للكمبيوتر هي القياس بدقة. وتسمح الدقة في التصوير المساحي لمفسر الصور أن يعرف ما إذا كان عرض سكة الحديد يكفي لنقل الصواريخ أم لا. أو بمعنى آخر، ما إذا كان حجم الصاروخ الجديد يخالف نصوص المعاهدات التي نص على خفض التسلح، كما تسمح شاشات الرؤية المتصلة بالكمبيوتر لمفسر الصور بتحريك المؤشر والحصول على قياسات دقيقة لأي جسم فوراً. يستطيع الكمبيوتر أن يمسح عدداً كبيراً من الصور الرقمية لموقع ما، بحيث يمكن تحديد التغيرات والتطورات التي تطرأ على هذا الموقع على مر السنين، يستطيع الكمبيوتر أيضاً أن يغزو الضوء بواسطة إزالة أي زيادة أو نقصان في شدة الضوء، ومن ثم بتكبير وإضاءة بعض المناطق بلمسة زر.
هذه التقنية سهلت عمل مفسري الصور، إلا أنها زادت من كمية المعلومات التي على كل مفسر صور أن يطلع عليها. وبالرغم من هذه التقنية ظلت واجبات مفسر الصور كما هي، فعليه أن يعرف ماذا يجري على الأرض بواسطة تفحص الصور الملتقطة من ارتفاع 100 ميل فوق الأرض.
احمد عثمان
وقال أحد مفسري الصور: إنه يمكن أن يعرف مستوى النشاط الصناعي والتجاري من عدد الطرقات ومساحتها، وعدد خطوط سكك الحديد في المنطقة، ويمكنه أن ينظر إلى منزل ويرى التمديدات الصحية الداخلية ويعرف ما إذا كان هناك بئر أو مرحاض في باحة المنزل، ويمكنه معرفة طريقة تدفئة المنزل من وجود خزان وقود، أو مدخنة، أو يعرف الوضع المادي لصاحب المنزل وكم هو غني وكذلك من وجود سيارة أمام منزله أم لا. ويمكنه معرفة نسبة الوفيات وذلك من عدد القبور الجديدة في المقبرة، وإذا رأى رسماً على سارية يعني أن هناك علماً، وهو دلالة على وجود وحدات عسكرية.
تخصص مفسرو الصور خلال الحرب العالمية الثانية في مجال محدد لهم. فاختص البعض بتحديد المواقع الخداعية من المواقع الحقيقية، والبعض الآخر اختص بتحديد الطائرات ومحطات الرادار والسفن، واستمر التفرع في التخصص حتى وصل هذه الأيام بتخصيص مفسر واحد بموقع للصواريخ ويعتبر مسؤولاً عنه، ويجب أن يعرف مفسر الصور كل بوصة من منطقة عمله حتى يكشف أي تغيير.
احمد عثمان
ومن المهام الصعبة التي تواجه مفسر الصور هي تحديد شيء جديد، لأنه يحتاج إلى تجميع المعلومات حول هذا الشيء وصور الملامح الجديدة ومعلومات عن المنطقة. ربما ظهر أن هناك نشاطاً معيناً، من آثار الأقدام على الأرض، أو آثار الآليات، أو قطع الأشجار بنمط معين مما يدل على النية في بناء منشأة ما، ويمكن استخدام إمكانيات عديدة لتحليل الموقع أو الشيء الجديد. ففي حالة مواقع الصواريخ السوفيتية في كوبا عام 1962م، قام مختص بمواقع الصواريخ السوفيتية في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية بكشف ملامح بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات في كوبا وطريقة انتشارها، وهي مماثلة لانتشارها حول مواقع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات في الاتحاد السوفيتي.
يعمل مفسرو الصور بتعاون وثيق مع محللي الاستخبارات من منطقة اختصاصهم وخبرتهم. بالنسبة إلى مفسر الصور يستطيع أن يساعده على تحديد الأجسام في الصورة، وبالنسبة إلى المحلل يستطيع مفسر الصور أن يؤمن له المعلومات المصورة والتي يستعملها هي وتقارير السفارات وتقارير العملاء لتنظيم تقريره.


============================
لتحميل الملف كاملاً: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

footer {
background : url (https://lh6.googleusercontent.com/-pdpxrcsL6Vg/Uc2AQDeA6sI/AAAAAAAADB8/Zmv91hTLcro/w588-h127-no/Picture1.png);
}