الخارطة و التعداد العام للسكان- أ‌. د. مـضـر خـليل العـمـر


بسم الله الرحمن الرحيم
الخارطة     و
 التعداد العام للسكان
 أ‌.     د. مـضـر خـليل العـمـر
 نظـرة عـامـة
         للخرائط دور تقليدي في انجاز التعدادات العامة للسكان ، فهي تعزز النتائج و تمثلها خرائطيا . وقد اتسع هذا الدور باعتماد برامجيات و طرائق الرسم الآلي للخرائط . بالاضافة الى ذلك ، فقد تضاعفت فاعلية انتاج الخرائط وعلى مختلف انواعها ، وكان لنظام المعلومات الجغرافية دور ((المفتاح)) عند توزيع بيانات التعداد و اسقاطها على الخرائط.
         يلعب رسم الخرائط دورا تكميليا للتعداد العام للسكان ، ومنذ أمد طويل . فعدد التعدادات التي أجريت في العالم بدون استخدام الخرائط خلال العقود القليلة الماضية قليلة جدا .  فللخارطة مواقع متميزة في التعداد العام للسكان ، وذلك لخدمتها له في أغراض عديدة ، منها :-
(1)     قبيل اجراء التعداد ، حيث تضمن استقرارية التعداد على أرض ثابتة تسهل اجراءات و عمليات التعداد . فمكاتب التعداد بحاجة الى ضمان شمول كل شخص و كل ساكن في البلد في التعداد ، وفي الوقت نفسه ضمان عدم شمول الاشخاص و الساكنين و تكرار تعدادهم . لهذا السبب ، يستند التعداد على تجزئة البلد الى وحدات جغرافية صغيرة مسقطة على الخارطة توفيرا لأداة جوهرية فاعلة في السيطرة وفي ضمان الاستقرارية في العمل و الدقة في النتائج .
(2)           خلال عملية التعداد ، تعزز الخرائط عملية جمع البيانات و مراقبة نشاطات التعداد . فمن خلال اجراءات التعداد تسهل الخرائط وصول  العدادين الى مناطق عملهم و التعرف عليها ، وفي الوقت عينه تعزز اجراءات و مهام السيطرة عليها ، ومتابعة عملية التقدم المحرزة في التنفيذ . وبهذه الصيغة يستطيع المشرفون على التعداد تحديد مناطق الخلل و المشاكل و اتخاذ الاجراءات السريعة المناسبة للمعالجة و التصحيح.
(3)      بعد التعداد ، تسهل الخرائط عملية تقديم النتائج و عرضها و تحليلها و ابراز التوزيع المكاني للخصائص السكانية . فالتمثيل الخرائطي لنتائج التعداد يوفر وسائل فاعلة و صلبة للعرض المرأي للنتائج . وبهذا يتسنى تحديد الانماط المكانية للخصائص الديموغرافية و الاجتماعية المهمة . وبهذه الحالة تكون الخرائط جزء مكملا و جوهريا في تحليل نتائج السياسة السكانية و الاجتماعية للدولة .
         لقد حدثت تبدلات تقنية كبيرة أثرت على الاسس التي يستند عليها التعداد العام للسكان في مختلف دول العالم ، فقد استفادت التعدادات من هذه التبدلات كثيرا في حصر المعلومات و العمليات الاحصائية ، و توزيع البيانات . ففي مجال الخرائط ، فقد حدث تقدم في استخدام الحاسبة الالكترونية من خلال توفر المستلزمات المادية (الصلبة) و البرامجيات الجاهزة  مما شجع العديد من مكاتب التعداد العامة للسكان للانتقال من الطرق التقليدية الى اعتماد الخرائط الرقمية و نظم المعلومات الجغرافية لانجاز التعداد .

الثورة الخرائطية ،
         منذ قرون عديدة و الناس تستخدم الخرائط لتمثيل البيئات التي ينتمون اليها . فقد استخدمت الخرائط لعرض المواقع ، المسافات ، الاتجاهات ، و مساحة المناطق و الاراضي . اضافة الى ذلك ، فالخارطة تعرض العلاقات المكانية ، والاختلافات و التباينات ، كذلك تبرز التكتلات و الانماط المكانية . وقد استخدمت الخرائط في الملاحة ، و الاستكشاف ، ولأغراض التوضيح و الاتصالات ، في القطاعين العام و الخاص . و تستخدم الخرائط في جميع الاستقصاءات العلمية ، تقريبا ، بشكل أو بآخر (تحديد منطقة الدراسة على الأقل) . فالخارطة ، باختصار ، أداة لا يمكن الاستغناء عنها في العديد من المعطيات المهنية و الاكاديمية .
         لقد تأثر علم الخرائط بالثورة المعلوماتية  بوقت متأخر نسبيا قياسا بالعلوم الأخرى . فالحاسبات الأولى كانت جيدة في خزن الاعداد و النصوص الكتابية ، الا أن الخرائط معقدة و تتطلب  طاقة استيعابية كبيرة و سرعة في المعالجة . اضافة الى ذلك فان رسم الخرائط هو في جوهرة تطبيق بياني (كرافيك) . وبما أن الاجيال الاولى من الحاسبات ذات طاقة محدودة في مجال المعالجات البيانية لذا كانت التطبيقات الاولى للخرائط فيها محدودة . بقي الحال هكذا حتى عقد الثمانينات ، حيث تطورت الحاسبات و توسعت طاقات خزنها و زيدت سرعة معالجاتها . كذلك ومن خلال اتساع مساحة استخدام نظم المعلومات الجغرافية و تسويقها تجاريا فقد  تبنت الحكومات و مجالس التخطيط الاقليمية و الحضرية و وكالات البيئة و استثمار المعادن ، و القطاعات الخدمية المختلفة اعتماد الخرائط الرقمية وسيلة للعرض و التحليل .
         لقد استفادت نظم المعلومات الجغرافية كثيرا من التطورات التي حصلت في العديد من ميادين الحاسبة . فقد ساهمت برامجيات نظم المعلومات Data Base  الجيدة في تنظيم الكميات الهائلة من المعلومات و البيانات و ادارتها . وتعزز الأمر عندما ربطت هذه المعلومات بالخرائط الرقمية كمرجع مكاني لكل معلومة . و وفرت تقنيات الرسم البياني في الحاسبة نماذج لخزن المعلومات و استردادها ، و عرض الخصائص المكانية . كما سمحت تقنيات العرض المرأي المتقدمة في ايجاد تمثيلات متقدمة للبيئة التي تنتمي اليها البيانات . فعرض البيانات عن طريق نظم المعلومات الجغرافية قد فاق العرض التقليدي ببعدين لانه بثلاثة ابعاد و قابل للحركة و التوجيه . و بتوفر تقنيات ادخال المعلومات النصية الى الحاسبة فان الكشافات الدقيقة و البرامجيات المتطورة قد سرعت من تحويل البيانات الى الخرائط ، و بالعكس ايضا من الخرائط الى قواعد المعلومات ، بعد أن كان  يتم يدويا في السابق .
         لقد ساهمت المصادر الحديثة للمعلومات في اختزال الزمن حيث تم تحويل المشاريع التخطيطية الى قواعد عملية للبيانات و المعلومات . و من أهم التطورات الحديثة تلك التي أستفيد منها في الملاحة و الاستشعار عن بعد . فنظام التوقيع المكاني على سطح الكرة الارضية GPS قد ثور عملية جمع المعلومات الميدانية في مجالات واسعة جدا تمتد من المساحة الى المراقبة البيئية الى ادارة النقل  وغيرها . وقد ساهمت الاجيال الجديدة من الاقمار الصناعية ذات التمثيل الصوري الدقيق في توفير صورا لأي جزء على سطح الارض تقريبا و بتفاصيل كافية لرسم خرائط ذات تطبيقات عديدة . وقد تناقصت كلفة الخرائط الرقمية في وقت زادت دقتها .
         وقد حصل تطور مماثل في مجال توزيع البيانات الجغرافية ، فجميع باعة نظم المعلومات الجغرافية يوفرون أدوات تجعل قواعد المعلومات الجغرافية سهل الوصول اليها من خلال شبكة الاتصالات العالمية عبر الحاسب الالكتروني (الانترنيت) . وقد ثبتت الوكالات الحكومية ، وعلى مختلف مستوياتها ، هذه التقنيات تسهيلا للوصول الى الكميات الهائلة من المعلومات المكانية المتوافرة  لديها ، ولتكون تحت تصرف العامة و بسرعة و بسعر زهيد . فشبكات الاتصالات العالمية قد حلت مكان الخرائط و الوسائل الرقمية لأنها أكثر الوسائل اهمية في توزيع البيانات .
         ان برامج رسم الخرائط عبر الشبكة العالمية هي احدى المؤشرات التي تدل على أن أدوات الاستفادة من المعلومات المكانية الرقمية قد أصبحت مستقرة و رخيصة و سهلة الاستعمال . وفي الوقت نفسه ، فان برامجيات نظم المعلومات الجغرافية المتطورة ستبقى تتطلب تدريبا عاليا حتى يتسنى استخدامها بفاعلية . ولم تعد برامجيات رسم الخرائط الالية الخاصة بالحاسبات الشخصية معقدة الاستخدام اكثر من برامجيات الحاسبة المعيارية الاعتيادية ، حيث أصبح رسم الخرائط أقرب و أكثر تكاملا مع التطبيقات الاعتيادية للحاسبة مثل برامج Spreadsheet و الرسوم و ادارة الاعمال ، و غيرها .
         ومكاتب الاحصاء الرسمية هي من أوائل مستخدمي نظم المعلومات الجغرافية ، فالاحصاءات السكانية و الاجتماعية و الاقتصادية هي أسس التخطيط العلمي و الادارة الناجحة . وان التوزيع المكاني للمؤشرات الاجتماعية الاقتصادية هو دليل حيوي عند صناعة القرارات في مجال التنمية الاقليمية ، وتوفير الخدمات و المنافع العامة و غيرها . وقد سمحت التقنيات الرقمية بادارة أفضل و استرداد أسرع ، وتطوير طريقة تمثيل البيانات ، فهناك دوما صلة صميمية بين الجغرافيا و الاحصاء . و تكتامل الصلة عند اعتماد نظم المعلومات الجغرافية و التطبيقات الاحصائية لتثمر فوائد جمة للمكاتب القومية للاحصاء من خلال انقاص الكلف المادية و اختزال الزمن المتطلب لجمع و تنظيم المعلومات و توزيعها . فنظم المعلومات الجغرافية قد ساعدت المكاتب الاحصائية في انتاج عدد لا يستهان به من الخدمات ، مع زيادة كبيرة في المردود المادي المستثمر لجمع البيانات .
============================
لتحميل الملف كاملاً: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

اضف تعليقك