دور المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة في تحقيق التوازن والعدالة المكانية في نشر التنمية بالمنطقة- م. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الحصين- امين منطقة المدينة المنورة

المؤتمر الإقليمي العربي
"مدن الأمل"

اليوم العالمي للموئل 2006م
الأردن - في الفترة من 14-16 نوفمبر 2006م


ملخص ورقة عمل

مهندس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الحصين
امين منطقة المدينة المنورة

دور المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة
في تحقيق التوازن والعدالة المكانية في نشر التنمية بالمنطقة

المحتويات



الصفحة


مقدمة
2



1-
التوجهات الوطنية لتحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية
4

1-1   تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية بين مناطق المملكة
4

1-2   تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية على مستوى قسمي العمران السعودي (القروي- الحضري)
5



2-
تحقيق العدالة المكانية والتوازن في نشر التنمية بمنطقة المدينة المنورة
7

2-1   تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية كأحد أهم أهداف ودوافع إعداد المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة
7

2-2   تحقيق الاتزان والعدالة المكانية في نشر التنمية كخطوة في طريق تحقيق التنمية الذاتية والمحلية لعمران المنطقة
9

2-3   دور المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة في ترسيخ مفهوم العدالة المكانية في نشر التنمية
11

2-3-1   موائمة الطبيعة العمرانية والسكانية لمنطقة المدينة المنورة
11

2-3-2   الاهتمام بتوطين الأنشطة الاقتصادية في القطاع القروي
13

2-3-3   التمييز الإيجابي في المعدلات التخطيطية المقترحة لتوطين الخدمات بالقرى
15




2-4   ثمرات الجهود المبذولة لتحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية خلال الثمان سنوات الماضية
16

  
بسم الله الرحمن الرحيم
 مقدمة

لقد شهدت المملكة العربية خلال العقدين الماضيين نهضة تنموية شاملة في جميع الميادين، حيث تمكنت الخطط التنموية الخمسية الأربع التي تم تنفيذها حتى الآن، من إنهاء البنية الأساسية في معظم المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وعمت برامج التنمية أجزاء المملكة المترامية الأطراف، فقد ساهمت تلك الخطط في النمو الملحوظ لمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية بهدف الرفع من مستوى المواطن السعودي وتهيئة سبل العيش الكريم لجميع المواطنين في مختلف مناطق المملكة، فالإنسان السعودي كان الهدف الأول لجميع برامج التنمية التي تم تنفيذها حتى الآن، وقد حاولت الدولة أن توجه مشروعات التنمية لتشمل المواطن أينما كان سواء في الحاضرة أم البادية رغبة في تحقيق قدر من التوازن بين تنمية الحضر والريف، إدراكاً من أن نجاح التنمية الشاملة في أي مجتمع لا يتوقف عند تطوير القطاعات الاقتصادية، وإنما أيضاً على كيفية توزيع هذه القطاعات على أجزاء مختلفة من المجتمع، بحيث يكون هناك قدر من التوازن بين تطور الحضر والريف، وأن تكون الفرصة مواتية لأي مواطن للاستفادة من برامج التنمية المختلفة.

وقد كان من نتيجة التطور والتقدم الذين حظيت بهما المدن في مختلف المناطق بالمملكة أن أصبحت مراكز جذب سكاني للعديد من المواطنين في القرى والأرياف القريبة من مراكز تلك المدن، فقد حدثت هجرة من مختلف القرى والأرياف إلى المدن القريبة منها رغبة في المشاركة في برامج التنمية والبحث عن الفرص الاقتصادية المتوافرة نتيجة لبرامج التنمية المختلفة.

وقد أدت هجرة العديد من المواطنين من قراهم إلى المدن الرئيسية إلى حدوث فراغ في بعض المهن التي كانوا يؤدونها اندثرت بسببه بعض تلك المهن والحرف التي كانت تنفذ بأيد سعودية.

وفي الفترة التي كانت فيها المدن تنعم بخيرات البرامج التنموية، كانت المناطق البعيدة عنها تمارس أدوارها التقليدية فلم تدخلها البرامج التنموية الحديثة، إلا في مجالات محدودة كالزراعة مثلاً، أما الخدمات الأخرى فلم تصلها إلا بعد فترات متأخرة عن المدينة.

وانطلاقاً من حرص أمانة منطقة المدينة المنورة على معالجة مثل هذه المشكلات من خلال إزالة مسبباتها، فقد قامت الأمانة بإعداد المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة رغبة في تحقيق التنمية المكانية المنشودة على مستوى المنطقة ككل.

وحيث أن هذه التنمية المكانية لا تكتمل إلا بتحقيق التوازن والعدالة في توزيع مقوماتها وعوائدها بين العناصر المكانية المكونة لعمران المنطقة (مدن- قرى) فقد اعتمدت إستراتيجية التنمية الإقليمية لمنطقة المدينة المنورة العديد من السياسات والآليات التي من شأنها ترسيخ مفهوم العدالة في التنمية بين شقي العمران بالمنطقة، بل والأكثر من ذلك أن الإستراتيجية الإقليمية قد رسخت مفهوم العدالة في نشر التنمية بين درجات المدن المختلفة وكذلك على مستوى القطاع القروي بفئاته المتعددة.

وتحاول أمانة منطقة المدينة المنورة من خلال الورقة التي بين أيدينا أن تقدم خلاصة تجربتها في تحقيق العدالة المكانية والتوازن في نشر التنمية على مستوى التجمعات الحضرية الريفية بالمنطقة، والتي اعتمدت بصورة أساسية على المخطط الإقليمي الذي تم وضعه للمنطقة عام 1420هـ ورسم الإستراتيجية العامة لتنمية المنطقة حتى عام 1450هـ والسياسات التي يمكن إتباعها لتحقيق أهداف التنمية الشاملة للمنطقة.


1-     التوجهات الوطنية لتحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية

إن قضية تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية المكانية بالمملكة العربية السعودية هي واحدة من أهم القضايا المطروحة على الساحة الوطنية بالمملكة خاصة أن المملكة تتميز بترامي أطرافها وانتشار عمرانها وتنوعه، ويمكننا في هذا الموضع أن نميز بين نوعين من الجهود المبذولة من قبل الحكومة على المستوى لوطني فيما يخص تحقيق العدالة المكانية، أولهما تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية على مستوى مناطق المملكة وثانيهما تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية على مستوى قسمي العمران السعودي (ريف- حضر).

1-1        تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية بين مناطق المملكة

لم تكن الجهود المبذولة من قبل أمانة المدينة المنورة لتحقيق العدالة في نشر التنمية بين أجزاء المنطقة بمنأى عن التوجهات المكانية للمملكة حيث أن ما أفرزته إستراتجية التنمية العمرانية الوطنية يعد من أبرز الجهود المبذولة من قبل حكومة المملكة العربية السعودية في تحقيق التوازن والعدالة في نشر التنمية بأرجاء المملكة المختلفة.

ويمكننا هنا إبراز مجموعة من النقاط التي أقرتها الإستراتيجية العمرانية الوطنية فيما يخص هذا المجال:
-    حددت الإستراتيجية مناطق نائية ذات مقومات نمو محدودة وكثافة سكانية منخفضة تقع على حدود المملكة، وتستلزم تنمية هذه المناطق توجيه جهوداً حكومية متروية ومستقلة لهذه المناطق، وقد حددت الإستراتيجية لهذا الغرض مراكز نمو مستهدفة (على أساس موقعها والدور المحتمل لها في حفز التنمية في تلك المناطق) كما بينت الإستراتيجية أيضاً المراكز الحضرية التي توفر أعلى مستوى ممكن من الدعم والروابط والخدمات للمراكز المحلية
-    تعزيز التوازن المكاني في توزيع الخدمات المركزية حيث توجد معظم الخدمات والوظائف الحكومية المركزية كالتجمعات وهيئات الأبحاث والخدمات الطبية التخصصية في مدينتي الرياض وجدة، وبدرجة أقل في الدمام ومكة المكرمة، وبناء على ذلك اقترحت هذه الإستراتجية تأمين ما لا يتواجد من هذه الخدمات في سبعة مراكز نمو حضرية أخرى.
-    تحقيق التكامل بين مناطق النمو الحضرية والمناطق المجاورة الأقل نمواً حيث اقترحت الإستراتيجية ضرورة تعزيز الروابط الوظيفية والإنتاجية بين المناطق الحضرية الرئيسية التي شهدت نمواً سريعاً في الآونة الأخيرة والمناطق المجاورة ذات المقومات التنموية وذلك بهدف تحقيق تنمية متوازنة على مستوى المملكة، ويعتبر هذا الأسلوب أحد الوسائل الملائمة لاستغلال إيجابيات المراكز الحضرية الرئيسية، فمن خلال حقن التنمية بمراكز نمو يتم تحديدها في المناطق الأقل نمواً والتي تقع بين المراكز الحضرية الرئيسية ودوائر تأثيرها فإنه يمكن سرعة تحقيق التنمية المتوازنة من خلال محاور للتنمية تشتمل على مساحات كبيرة وأنشطة متنوعة.



وقد تولت الإستراتيجية العمرانية الوطنية تحديد الأطر والانعكاسات العمرانية وقدمت الخطوط الإرشادية التي يمكن بمقتضاها تحقيق ذلك الأساس الإستراتيجي، وذلك تمشياً مع الأسس الإستراتيجية الخاصة بتحقيق تنمية عمرانية متوازنة عن طريق الآتي:
-        الاستغلال الفعال للموارد مع التركيز على التجهيزات الأساسية والمرافق العامة القائمة.
-    توجيه التنمية في المجالات العمرانية والاجتماعية/ الاقتصادية بعيداً عن مناطق النمو السريع والمراكز الحضرية بما يمن تحقيق تنمية إقليمية أكثر توازناً.
-    التعرف على إمكانات التوسع في تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيزها لمختلف مناطق المملكة بما يكفل استقرارها في عملية التنمية على المدى الطويل.
-    تحديد مراكز للنمو تعمل كقنوات لنقل وتنسيق الجهود التنموية القطاعية الرامية لتحقيق أهداف التنمية العمرانية المتوازنة.
-        تحقيق التكامل بين المناطق الحضرية والريفية بإتباع سياسات التنمية الريفية الشاملة.

وبناءً على ما سبق فإنه يمكن الخلوص إلى أن محاولات تحقيق العدالة والتوازن في نشر التنمية هو توجه وطني في الأساس يبدأ بتحقيق هذه العدالة بين مناطق المملكة المختلفة بما يضمن توزيع عادل للأنشطة والخدمات في كل منطقة دون التقيد الشديد بشكل توزيع الموارد على هذه المناطق.

1-2   تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية على مستوى قسمي العمران السعودي (القروي- الحضري)

إضافة إلى الجهود التي بذلت على المستوى الوطني في مجال تحقيق العدالة والتوازن في نشر التنمية على مستوى المناطق فقد قامت حكومة المملكة العربية السعودية كذلك بجهود عديدة في الحد من الفوارق الحضرية في مجالي توطين الأنشطة الاقتصادية وتوزيع الخدمات، ولعل اهتمام المملكة بالتنمية الريفية قد تجلى في قرار مجلس الوزراء السعودي بإصدار لائحة تنمية وتطوير القرى والأرياف.

وقد نصت اللائحة على أن تتولى وزارة الشئون البلدية والقروية بالمملكة مسئولية وضع الخطط والبرامج واقتراح السياسات العامة للتنمية الشاملة للقرى بالمملكة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى ذات الاختصاص ومتابعة وتنفيذ تلك السياسة، وقد حددت اللائحة المهام التالية لتنمية القرى والأرياف:
-    مهام تتعلق بالسياسات: منحت اللائحة وزارة الشئون البلدية والقروية مهام اقتراح السياسات العامة لتنمية القرى والأرياف في المملكة، وكذلك وضع الأنظمة واللوائح التي تساعد على تحقيق تلك السياسات، والإجراءات اللازمة لتقويم العائد من هذه السياسات على المجتمع المحلي والقومي.
-    مهام تتعلق بالتخطيط: نصت المادة الأولى من اللائحة على وظيفة وضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذ الأهداف التنموية للمناطق القروية والريفية واعتبارها من المقومات الأساسية للسياسة العامة لتنمية القرية.
-    المهام الإدارية والتنظيمية: تعتبر هذه المهمة وسيلة مساعدة ورئيسية لتنفيذ تلك السياسات اللازمة لتنمية القرى والأرياف، إضافة إلى إعداد الموظفين والقيادات المحلية للتنفيذ والإشراف على برامج ومشروعات تنمية وتطوير القرى والأرياف (وزارة الشئون البلدية والقروية- لائحة تنمية وتطوير القرى والأرياف- المادة الأولى- 1983م.)

ويعد ذلك تعبيراً واضحاً عن رغبة الدولة في إيجاد تنمية ريفية تهدف إلى رفاه المواطن السعودي وتحقيق قدر من التوازن بين تنمية الريف والحضر، إذ أن التنمية الشاملة تتناول جميع المجالات ومعظم أجزاء الدولة لأن الريف جزء مهم من أجزاء الدولة وتنمية أبنائه هي تنمية لأبناء الوطن، فلا يمكن أن تتحقق تنمية جزئية إذ أن الفجوة ستكون كبيرة وواضحة بين الحضر والريف مما يجعل الحاضرة مناطق جذب للسكان الريفيين، وهذا يؤدي إلى هجر الكثير من الأيدي العاملة للمدن طلباً للعمل، مما يحدث فراغاً لليد العاملة في المناطق الريفية.

وأدت سياسات الاهتمام بالريف التي بدأتها الدولة في خططها التنموية المختلفة، إلى حدوث تغير نوعي في الريف السعودي فقد دخلت الوسائل الحديثة لمنزل القرية، وأصبح أبناء بعض القرى والأرياف يتمتعون بمشاريع التنمية في مجال الزراعة والرعي والخدمات العامة الأخرى.



2-     تحقيق العدالة المكانية والتوازن في نشر التنمية

لقد كانت منطقة المدينة المنورة ومازالت مسباقة بين مناطق المملكة فيما يخص الالتزام بالتوجهات والإستراتيجيات الوطنية التي توضع في مجالات التنمية عموماً، والتنمية العمرانية على وجه الخصوص، وحيث أننا قد سبق وعرضنا أن تحقيق العدالة المكانية والتوازن في نشر التنمية هو توجه وطني نابع من الإستراتيجية العمرانية الوطنية ولائحة تنمية القرى والأرياف الصادرة عن مجلس الوزارة السعودي فقد خطت أمانة المدينة المنورة العديد من الخطوات وبذلت الكثير من الجهود لتطبيق التوجه الوطني في هذا الشأن.

ويمكننا في هذا الموضع أن نذكر بإيجاز أهم هذه الجهود والخطوات التي أتت بعض ثمارها والحمد لله خلال السنوات العشرة الماضية.

2-1   تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية كأحد أهم أهداف ودوافع إعداد المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة

لقد شرعت أمانة منطقة المدينة المنورة في العام 1418هـ في إعداد دراسات المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة والتي انتهت بإنتاج المخطط الإقليمي للمنطقة عام 1420هـ، وقد هدفت الأمانة من خلال هذا المشروع إلى وضع خطة طويلة المدى على أسس علمية وتخطيطية تنظم عملية التنمية في محافظات ومدن وقرى المنطقة حتى عام 1450هـ.

ولقد كانت قضية العدالة المكانية في نشر التنمية بالمنطقة على رأس أولويات المخطط الإقليمي للمنطقة وذلك بالنظر إلى ما كانت تعاني منه العملية التنموية في المنطقة من استنثار المراكز الحضرية الرئيسية (المدينة المنورة وينبع) بمعظم مقومات ومخرجات الأنشطة الاقتصادية الخدمية بالمنطقة ويتضح ذلك من خلال النقاط التي وضعها المخطط الإقليمي في اعتباره والتي كانت تمثل معطيات الوضع الراهن للمنطقة آنذاك ومنها ما يلي:
-    زيارة وتيرة التحضر السريع بالمنطقة حي أشارت النتائج الأولية لتعداد السكان بالمملكة لعام 1413هـ إلى أن إجمالي تعداد السكان بالمملكة قد بلغ نحو 16.9 مليون نسمة، وان نسبة سكان الحضر في المملكة قد بلغت حوالي 77% من إجمالي السكان، هذا وقد بلغ إجمالي تعداد سكان منطقة المدينة المنورة في نفس التعداد حوالي 1.07 مليون نسمة حيث يقدر بنحو 6.4% من إجمالي تعداد السكان بالمملكة، وقد بلغت نسبة سكان الحضر في منطقة المدينة المنورة حوالي 74.4% من إجمالي السكان، وقد ارتفعت هذه النسبة بشكل طفيف في عام 1420هـ لتصل إلى حوالي 74.8% ولاشك أن استمرار هذا النمط السريع للتحضر بمنطقة المدينة المنورة الناتج عن تفضيل المواطنين للعيش في المناطق الحضرية قد يترتب عليه آثار سلبية كثيرة، فقد يترتب على ذلك تهميش دور قطاع الزراعة وهو ن القطاعات الاقتصادية التقليدية في إقليم المدينة المنورة والتي لا تزيد نسبة مشاركتها في إجمالي العمالة بالإقليم في الوقت الحالي عن 8.07%، وقد يترتب على ذلك أيضاً تعقد سبل التعامل مع تحقيق التنمية المتوازنة وما ينطوي على ذلك من آثار سلبية على البيئة ومستويات المعيشة.


-    غياب إستراتيجية واضحة للتنمية الشاملة على المدى البعيد فقد يؤدي إلى أن تستمر المدينة المنورة وينبع في النمو على حساب المدن الصغيرة الأخرى بالمنطقة، ولاشك أن ذلك سيمثل تحدياً للجهود المستقبلية اللازمة لتحقيق التكامل الوظيفي والإنتاجي بين مختلف التجمعات السكانية بالإقليم.

-    عدم ظهور التحديات الحقيقية والآثار السلبية للتحضر السريع، فعلى خلاف الكثير من الدول فإن المملكة العربية السعودية لم تواجه حتى الآن التحديات الجدية للآثار السلبية للتحضر السريع، مثل الازدحام والاختناقات المرورية وتلوث الهواء وارتفاع معدلات الجرائم، وإذا ما استمر استقطاب المدينة المنورة وينبع للسكان من باقي أجزاء المنطقة فقد تتعرض المدينة المنورة بالأخص لبعض المشاكل التي تواجه المدن الكبرى الأخرى في العالم، وأهمها ارتفاع الكلفة الاجتماعية لتوفير فرص عمل جديدة وتوفير المرافق والخدمات.

-    تحقيق اكبر قدر من الانتشار في توزيع الخدمات والمرافق والفرص الاقتصادية بين النطاقات المكانية المختلفة سواء على مستوى المملكة أو مناطقها (Inter-Regional Equity) ليعتبر أحد الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى لمسيرة التنمية الوطنية، وفي ظل اقتصاد حر كما هو الحال في اقتصاد المملكة فقد يكون من الصعب تحقيق مثل هذا الهدف في حالة غياب إستراتيجية بعيدة المدى للتنمية الإقليمية، تحدد الأسس التي يتم بمقتضاها التنسيق بين السياسات القطاعية على المستوى الإقليمي، بحيث يتم من خلال هذه السياسات استهداف مناطق وقطاعات معينة من السكان بالإقليم.

-    فتح المجال أمام استغلال الموارد الكامنة بالنطاقات المكانية ذات الكثافات السكانية المنخفضة (الأبعاد الاقتصادية للإستراتيجية)، أو الغير مأهولة بمنطقة المدينة المنورة بهدف زيادة مشاركة المنطقة في الناتج الوطني يستدعي توجيه اهتمامات خاصة لبعض أجزاء المنطقة، وذلك من خلال التدخل الحكومي المباشر لهيئة المناخ الملائم لتحفيز دور القطاع الخاص في الاستثمار في موارد هذه المواقع، وقد لا يتحقق ذلك في غياب رؤية واضحة بعيدة المدى لتوجهات النمو وأولوياته على مستوى المنطقة وتجمعاتها السكانية على المدى البعيد.

-    منظومة المدن (System of Cities) تعتبر من أهم الوسائل التي يمكن بمقتضاها نقل التنمية، ونشر الاختراعات والاستخدامات الحديثة للتقنية، ولا شك أن منطقة المدينة المنورة تعاني من اختلال في منظومة المدن (Unbalanced Hierarchy of Cities)، حيث تستحوذ المدينة المنورة وحدها على نحو 76.4% من إجمالي سكان مدن المنطقة وحوالي 57.8% من إجمالي سكان المنطقة ككل، أما المدن الثلاث التي تلي المدينة المنورة في الحجم فيبلغ إجمالي سكانها مجتمعة نحو 20.3% من إجمالي سكان الحضر بالمنطقة ولا يتعد إجمالي سكانها حوالي 26.5% من إجمالي سكان المدينة المنورة، مما يؤكد غياب منظومة متوازنة للمراكز الحضرية.



-    إحداث تغييرات في المنظومة عادة ما يأخذ وقتاً طويلاً يتعدى عشرات السنوات (Long Term Process)، فإن تحقيق ذلك يتطلب بالتالي توجهات وسياسات تنموية بعيدة المدى، تتمثل في إستراتيجية للتنمية الإقليمية تشمل على سياسات وآليات واضحة لتحقيق هذه الإستراتيجية في خطوات مرحلية على المدى المتوسط والقصير.

وقد خلصت دراسات المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة إلى تبني خيار التنمية الشاملة سواء على المستوى القطاعي أو المكاني وذلك لمواجهة التحديات أمام المنظومة العمرانية للمنطقة ككل.

كما أوضحت دراسات المخطط الإقليمي للمنطقة أنه على الرغم من المزايا النسبية التي توفرها المدينة المنورة إلا أن استمرارها في استقطاب السكان من التجمعات السكانية الصغيرة في المنطقة وفقاً للمعدلات الحالية، قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة النمط العمراني غير المرغوب وما قد يترتب عليه من زيادة فجوة التباينات بين محافظات المنطقة، فالواقع الحالي يؤكد أن نمط الاستيطان الحالي بمنطقة المدينة المنورة يتمتع بوجود مركز حضري كبير واحد وهو المدينة المنورة والبالغ عدد السكان به نحو 839 ألف نسمة، ولا توجد مراكز حضرية متوسطة الحجم عدا مدينة ينبع والبالغ عدد سكانها نحو 165.9 ألف نسمة، وتنتشر بالمنطقة التجمعات السكانية الحضرية الصغيرة مما يؤكد غياب النط الهرمي المتوازن للتجمعات السكانية الخضرية، وحيث أن النمط الهرمي المتوازن هو أساس في تحريك النمو الإقليمي، حيث أن المدن بأحجامها المتفاوتة هي أدوات لنقل التنمية بالتدرج من المدينة الكبرى إلى المدن الأقل حجماً والمناطق المجاورة لها (Engines of Growth)، وأن أي إستراتيجية لتنمية الإقليم يجب أن تدعم وجود نط هرمي متوازن للمدن يتضح من خلاله التسلسل الهرمي لوظائفها.

وعليه فقد أدركت الأمانة والقائمون على إعداد دراسات المخطط الإقليمي للمنطقة أنه لابد من إحداث عدة تغييرات على سياسات توزيع الأنشطة والمرافق والخدمات على الوحدات المكانية المكونة لعمران المنطقة بما يحقق في النهاية العدالة المكانية لتوزيع هذه الأنشطة والخدمات.

2-2   تحقيق الاتزان والعدالة المكانية في نشر التنمية كخطوة في طريق تحقيق التنمية الذاتية والمحلية لعمران المنطقة

ثمت تساءل يطرح نفسه دائماً عند تناول مثل هذه الموضوعات المتعلقة بتوزيع الأنشطة أو الموارد والخدمات أو ما يمكننا أن نطلق عليه توزيع الثروات وعوائد الإنتاج، هذا التساؤل هو إلى أي مدى يمكن تحقيق العدالة في نشر التنمية في ظل آليات السوق والعرض والطلب والمفاهيم الاقتصادية الأخرى ذات الصلة؟

وللإجابة على السؤال السابق يجب علينا أن نفرق بين وجهتي نظر معروفتين:
الأولى: معنية أساساً بتطبيق نظم آليات السوق والعرض والطلب والعوائد الاقتصادية في تحديد مواقع توطين الأنشطة الاقتصادية والخدمات وهذه غالباً ما تكون نظرة أصحاب رؤوس الأموال أو المستثمرين.
الثانية: معنية بالغايات والأهداف بعيدة المدى لعمليات توطين الأنشطة والخدمات والاستثمارات ومن هذه الغايات التنمية المكانية الشاملة على مستوى العمران والسكان، وهذه غالباً ما تكون نظرة الجهات الحكومية والتي أحد اهم أدوارها هو تحقيق تنمية شاملة تأخذ في اعتبارها العوائد الاجتماعية والسياسية للعمران ككل وليس بعض أجزاؤه.

ولعل النظرة الشمولية التي يجب أن تنتجها الجهات الحكومية لتحقيق التنمية المنشودة هي ما دفعت أمانة منطقة المدينة المنورة لتبني وجهة النظر الثانية إيماناً منها بدور الأجهزة الحكومية في تأمين سبل الحياة الكريمة والتنمية لجميع مواطنيها وجميع أقسام العمران التابع لها.

إلا أن أمانة منطقة المدينة المنورة وهي تخطو في هذا الاتجاه كانت تضع نصب أعينها فكرة في غاية الأهمية، وهذه الفكرة تقوم على أن محاولات الأمانة وجهودها في نشر التنمية بصورة شمولية على مستوى المنطقة له آثار إيجابية عديدة على المدى المتوسط والطويل والتي من أهمها:
1-    إن تحقيق توازناً في نشر الخدمات والأنشطة بين أجزاء المنطقة من شأنه أن يقلل حركة الهجرة من القطاع القروي إلى مدن المنطقة عموماً والى المدينة المنورة على وجه الخصوص.

وبالرغم من أن هذا التوجه قد يزيد من تكلفة إحداث الأنشطة والخدمات ويقلل من العوائد الاقتصادية المباشرة لهذه الأنشطة إلا أنه يعمل على توفير تكلفة كبيرة يمكن أن تتكلفها الأجهزة الحكومية في صيانة البنية الأساسية والعمرانية بمدن المنطقة وذلك في حال زادت معدلات الهجرة من القرى للمدن.

2-    إن تحقيق هذا التوازن يولد الشعور بالانتماء والرضا في التجمعات والمناطق القروية بالمنطقة والتي كانت لوقت كبير محرومة من الخدمات والأنشطة، ولا يخفى على أحد أهمية توليد هذا الشعور لدى أبناء الوطن الواحد مهما اختلف توزيع الإمكانات والموارد داخل حدود ذلك الوطن.

3-    إن أي نمو للأنشطة والخدمات مرتبط دائماً بنمو موازي في أحجام السكان وهي عملية ذات تأثير متبادل بين كل من السكان والأنشطة، فالأنشطة والخدمات تقوم في الأساس على وجود السكان، وفي نفس الوقت فإن توفر الأنشطة والخدمات يزيد من عدد السكان ومعدلات نموهم، وهكذا...

وعليه فإن ضخ أي استثمارات في توطين الأنشطة والخدمات بالمناطق القروية أو النائية لا يعد مطلقاً إهداراً للمال ولا يمكن تصور أن يتم ذلك بصورة مستمرة، ولكن المأمول أن تحدث عملية تنمية ذاتية مع مرور الوقت في هذه المناطق القروية، وحينها يمكن لهذه المناطق منافسة المناطق الحضرية في جذب الخدمات والأنشطة دون إضافة أية أعباء مالية على الجهات الحكومية المعنية بالتنمية بالمنطقة.



2-3   دور المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة في ترسيخ مفهوم العدالة المكانية في نشر التنمية بالمنطقة

تم البدء في إعداد دراسات المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة في وقت لم يكن فيه توزيع الأنشطة والخدمات ومقومات التنمية يتم بصورة متزنة على مستوى الوحدات العمرانية المكونة للمنطقة سواء بين محافظات المنطقة أو بن التجمعات الحضرية منها والريفية، وكما أوضحنا في الصفحات السابقة فقد وضع المخطط الإقليمي هدف تحقيق هذا التوازن نصب عينيه وبدعم كبير جداً من القيادة السياسية بالمنطقة وجهود كبيرة كذلك من أمانة المنطقة للوصول إلى هذا الهدف.

ولقد سلك المخطط الإقليمي للمنطقة للوصول لهذا الهدف طريقين:
الأول: محاولة إيجاد اتزان وعدالة في نشر التنمية على مستوى الوحدات المكانية المكونة للمنطقة وهي محافظة المدينة المنورة ومراكزها إضافة لست محافظات أخرى، ولم يكن خافياً أن محافظة المدينة المنورة ومراكزها كانت تستأثر بنسبة عالية من هذه الخدمات والأنشطة استناداً إلى الثقلين السكاني والإداري الكبيرين الذين كانت تتمتع بهما العاصمة الإدارية للمنطقة.
الثاني: محاولة إيجاد اتزان وعدالة في نشر التنمية بين قسمي العمران بالمنطقة وهما التجمعات الحضرية والتي لم تزد عن 7 مدن وقت إعداد المخطط الإقليمي للمنطقة في حين أنها كانت تستأثر بأكثر من 75% من حجم السكان بالمنطقة.

وبناءً على هذين التوجهين السابقين فقد قامت دراسات المخطط الإقليمي للمنطقة بمحاولة معالجة عدم الاتزان في نشر التنمية وقتها من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي:
-        موائمة الطبيعة العمرانية والسكانية لمنطقة المدينة المنورة.
-        الاهتمام بتوطين الأنشطة الاقتصادية في القطاع القروي.
-        التمييز الإيجابي في المعدلات التخطيطية المقترحة لتوطين الخدمات بالقرى.

وسوف نقوم بعرض أكثر تفصيلاً للمحاور الثلاثة سابقة الذكر من خلال أمثلة وأرقم توضيحية تبين الجهود المبذولة في هذا المجال.

2-3-1         موائمة الطبيعة العمرانية والسكانية لمنطقة المدينة المنورة

لقد كانت الطبيعة العمرانية والسكانية لمنطقة المدينة المنورة وقت إعداد المخطط الإقليمي للمنطقة واحدة من أهم محددات التنمية المنشودة بها، وذلك لما تتسم به المنطقة من ترامي أطرافها والانتشار الكبير لعمرانها وخاصة القروي وشمولها على واحدة من أطول السلاسل الجبلية وهي سلاسل جبال السروات في القطاع الغربي من المنطقة.

كما أن التصنيف المعتمد وقتها لعمران المنطقة ينحصر في المدن والقرى فقط دون وجود أي تدرجات هرمية على المستوى الحضري أو القروي، وكان ذلك من شأنه أن يصعب إعداد أي خطة لنشر الخدمات والأنشطة بهذه التجمعات، وكان يتم هذا التوزيع بشيء من العشوائية نتيجة عدم وجود رؤية موحدة لتنمية هذا العمران أو الاختلاف بين رؤى الجهات الحكومية العاملة على تنمية هذا العمران.

وعليه فلقد وضع المخطط الإقليمي للمنطقة في أهم أولوياته وضع إستراتيجية عمرانية تتسم بالتدرج الهرمي والوظيفي للتجمعات بالمنطقة وأدوارها، وما يتبعه ذلك من تدرج في توطين الأنشطة والخدمات بمستوياتها المختلفة، وبالفعل قامت دراسات المخطط الإقليمي بعمل الآتي:
1-    استبدلت دراسات المخطط الإقليمي للمنطقة التصنيف السابق الذي كان يشمل المدن والقرى فقط بتصنيف جديد يتسم بالتدرج الهرمي ليشمل:
-        ثلاثة مستويات للتجمعات القروية (مراكز وطنية- مراكز إقليمية- مراكز محلية).
-    أربعة مستويات للتجمعات القروية (مراكز تنمية قروية- مراكز خدمات قروية- قرى خدمة- قرى تابعة).
-    مدن تخصصية أخرى (مراكز تنمية صناعية- مراكز تنمية سياحية- مدن تابعة- ضواحي حضرية).

وقد رافق هذا التدرج الوظيفي تدرج مماثل في توزيع الأنشطة والخدمات بمستوياتها المختلفة على مستويات هذه الأدوار المقترحة للتجمعات، وهو ما ضمن في نهاية الأمر القضاء على العشوائية في توزيع الأنشطة والخدمات وكذلك توزيع مكاني عادل وفعال لهذه الأنشطة والخدمات على الأدوار الوظيفية المقترحة للتجمعات.

2-    قامت دراسات المخطط الإقليمي للمنطقة باقتراح وحدات تنموية بحيث تضم كل وحدة عدة مراكز إدارية حسب مقومات الأرض والسكان بهذه المراكز، والذي كان من أثره تلافي القصور الناتج عن التباين في مساحات الوحدات المكانية المكونة للمنطقة ومحافظاتها، وهو ما يضمن في النهاية انتشار جيد للخدمات والأنشطة المقترحة إذا ما روعي توطينها حسب حدود الوحدات التنموية التي اقترحها المخطط الإقليمي للمنقطة.

3-    اقترحت دراسات المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة شبكة من الطرق والوصلات الفرعية تتسم بالتدرج ومتوافقة مع التدرج الوظيفي المقترح للتجمعات والوحدات المكانية المشار إليها سابقاً، وكان لذلك أكبر الأثر على زيادة نسبة حصول القرى والمواطنين بها على الخدمات والأنشطة من خلال زيادة الاتصالية بينها وبين بعضها وبينها وبين المستويات الأعلى من التجمعات بالمنطقة.

يتضح مما سبق أن المخطط الإقليمي للمنطقة حاول وضع صيغة تخطيطية تتواءم مع الطبيعة العمرانية بالمنطقة، واعتمدت هذه الصيغة التخطيطية بصورة أساسية على أبعاد الحدود التنموية والأدوار الوظيفية والاتصال بشبكة الطرق في تحقيق أهدافها.



2-3-2         الاهتمام بتوطين الأنشطة الاقتصادية والفرص الاستثمارية في القطاع القروي

تعتبر الفرص الاستثمارية المقترحة من قبل المخطط شبه الإقليمي للمحافظة من أهم الأمور التي يجب الاهتمام بها حيث تعتبر في العرف الاقتصادي أداة الاحداث للتنمية بما توفره من مشاركة القطاع الخاص وتوليد فرص عمل للمواطنين، وما ينتج عنه من الرفع لمستوى المعيشة بالمحافظة، وعلى وجه الخصوص بالمناطق القروية، وبالتالي تحريك عجلة التنمية بشكل متسارع، وتحتاج عملية توفير الفرص الاستثمارية جهد كبير من الدولة لتوفير المناخ الجيد للاستثمار، ويعتبر برنامج توفير الفرص الاستثمارية أحد أهم الأدوات التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التنمية المطلوبة، ولكن يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ظروف المنافسة المحلية والعالمية حيث يجب التركيز على المشاريع التي تتمتع بقدرة تنافسية عالية لضمان الاستمرار، كما يجب مراعاة المعايير العالمية خاصة بالنسبة للمشاريع الإنتاجية المستهدفة لتصدير منتجاتها.

ولقد تبني المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة مبدأ مشاركة القطاع الخاص في أعمال التنمية الاقتصادية بالمحافظة حيث تقـوم الدولة بتوفير شبكات البنية الأساسية وشبكات الطرق لمواقع التنمية، كما تقوم بسن القوانين وتوفير الحوافز لتشجيع مشاركة الاستثمارات الخاصة الوطنية والأجنبية في دفع عجلة التنمية، هذا بالإضافة لوضع اللوائح والأنظمة التي تسهل إجراءات الاعتماد والتنفيذ للمشاريع، وتوفر المناخ المستقر والأمن للمستثمر. وقد تم تقسيم المشاريع الاستثمارية بالمنطقة إلى ثلاث أنماط رئيسة وهي كما يلي:

-     المشاريع الاستثمارية الكبرى والتي تستوجب في معظم الأحيان مشاركة الدولة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وغالبا ما يتركز هذا النمط من المشاريع في الأنشطة الإستخراجية للاستفادة من الثروات المعدنية أو المشاريع ذات الصفة الإستراتيجية مثل إنشاء محطات الكهرباء العملاقة ومحطات تحلية مياه البحر وبعض مشاريع الطرق، وبعض مشاريع الصناعات الثقيلة خاصة البتروكيماوية منها والصناعات التحويلية، وتعتبر المشاريع الاستثمارية الكبرى هي التي تزيد تكلفتها الاستثمارية عن 100 مليون ريال وغالبا ما يكون العائد الاستثماري لها طويل المدى.

-     المشاريع الاستثمارية المتوسطة والتي يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص المحلي منفرداً أو بالمشاركة مع المستثمرين الأجانب، ولاسيما في مجال نقل الخبرات والتكنولوجيا المتقدمة، وتهتم المشاريع الاستثمارية المتوسطة بقطاع السياحة والصناعات المتوسطة وقطاع إنشاء وتشغيل الطرق الإقليمية، وتعتبر المشاريع الاستثمارية المتوسطة هي التي تتراوح تكلفتها الاستثمارية بين (10-100) مليون ريال وغالبا ما يكون العائد الاستثماري لها متوسط المدى.

-     المشاريع الاستثمارية الصغيرة والتي يمكن أن يقوم بها القطاع الخاص الوطني أو الأجنبي منفردا، وتركز تلك المشاريع على قطاعات التجارة والزراعة وتربية الثروة الحيوانية والاستثمار في قطاع السياحة وصيد الأسماك والصناعات الخفيفة، كما تتضمن المشاريع الاستثمارية الصغيرة الاستثمار في قطاع الخدمات العامة. وتعتبر المشاريع الاستثمارية الصغيرة هي التي تقل تكلفتها الاستثمارية عن 20 مليون ريال وغالبا ما يكون العائد الاستثماري قصير المدى.

ولقد روعي في التوزيع المكاني للمشاريع الاستثمارية عدة اعتبارات هامة، استهدفت في مجملها نشر التنمية وتنوعها وربطها بالسوق، والاستفادة القصوى من إمكانات البنية الأساسية المتاحة، وفي نفس الوقت فقد تم مراعاة أولويات التنفيذ لمشاريع الخدمات وشبكات البنية الأساسية عند التحديد لمواقع المشاريع الاستثمارية. وقد تم توزيع المشاريع على مستوى الوحدات التنموية بالمنطقة، وفيما يلـي عرض لأهم المشاريع الاستثمارية المتوسطة ولصغيرة المقترحة:

-     مشروع مصنع التعليب والتغليف للمنتجات الغذائية، ويتناسب هذا المشروع مع المنطقة نظراً لتوقع وفرة الإنتاج الزراعي وتنوعه.

-     مشروع صناعة أخشاب الكونتر من جريد النخيل، تقوم فكرة هذا البرنامج على إنشاء وحدات تصنيع خشب الكونتر من جريد النخيل.

-     مشروع مصنع الأعلاف المركزة، نظراً لإمكانات المنطقة الزراعية وتوجهها نحو تنمية الثروة الحيوانية.

-     مشروع وحدة دبغ وتصنيع الجلود، وتعتبر من المشاريع الهامة نظراً لتوفر المادة الخام وخاصة جلود النعام والماعز نظراً لإمكانية لتنمية صناعة تربية النعام وتطوير صناعة الأغنام والماعز.

-     مشروعات الصناعات الصغيرة والحرف اليدوية، والتي لا تحتاج مستوى تكنولوجي متقدم، وتستهدف مثل هذه المشاريع سد الاحتياجات الأساسية للمواطنين. 

-     مشروعات صناعة مواد البناء، من المتوقع تزايد الطلب على مواد البناء بالمنطقة كنتيجة طبيعية لأعمال التنمية المرتقبة. 

-     مشاريع المزارع النموذجية في حدود 50 دنم ( 50 ألف متر مربع)على أن تراعي الإمكانات المائية المتاحة وبشرط عدم إجهاد الخزان.

-     مشاريع البيوت المحمية وتعتبر من المشاريع المتوقع أن تلقى إقبال كبير في المنطقة نظراً لتكيفها مع الظروف المناخية والتحكم إلى حد ما في معاملات الإنتاج.

-     مشروع المزارع النموذجية لإنتاج التمور والفواكه في المناطق الملائمة طبيعياً، والرفع من نوعية السلالات المستخدمة عن طريق علوم الوراثة الحديثة.
-     مشاريع الإنتاج الداجن للبيض واللحم، وتعتبر من المشاريع المتوقع أن تلقى إقبال كبير في المنطقة نظراً لسرعة دوران رأس المال والطلب المتزايد على منتجات البيض واللحم، والتي تعتبر مشاريع الإنتاج الداجن من المشاريع الاستثمارية الصغيرة، ذات العائد الاستثماري السريع والجيد.

-     المشاريع النموذجية للمراعي لتربية وتسمين الأغنام والماعز والإبل، وهي مشاريع من المقترح أن تبدأ بحوالي 100 رأس وتعتمد على المراعي الطبيعية بالمنطقة والأعلاف الجافة.

-     مشروع تربية النعام وهو من المشاريع المتوسطة الحجم الاستثماري، فقد حدث تطور كبير في مزارع إنتاج النعام حيث إن هناك طلب كبير على منتجات النعام من لحوم وجلود وريش.

2-3-3         التمييز الإيجابي في المعدلات التخطيطية المقترحة لتوطين الخدمات بالقرى

تعتبر قضية المعدلات التخطيطية لتوطين الوحدات الخدمية وارتباطها المباشر بالأحجام السكانية في التجمعات العمرانية واحدة من أهم المسائل التي قابلها المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة، وذلك لما هو معلوم من العلاقة الوثيقة بين توطين الخدمات والحجم السكاني المطلوب لتوطين هذه الخدمات.

ولعل الطريقة التي عالج بها المخطط الإقليمي هذا الموضوع تعبر عن التوجه العام بأمانة منطقة المدينة المنورة مدعومة من مجلس المنطقة في تحقيق العدالة المكانية بين أقسام وأجزاء العمران بالمنطقة فيما يتعلق بتوطين الخدمات، فقد عمد المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة إلى التمييز الإيجابي للقطاع القروي فيما يخص معدلات الكفاية الكمية من الوحدات الخدمية حيث راعى المخطط الفوارق المكانية والسكانية والاجتماعية بين الريف والحضر بالمنطقة، ويمكن من خلال الجدول التالي توضيح هذا التمييز الإيجابي لصالح المناطق القروية والنائية فيما يتعلق بمعدلات كفاية السكان من كل وحدة خدمية.

مقارنة بين المعدلات التخطيطية المستخدمة في حساب الخدمات العامة بالقطاع الحضري والقطاع القروي بالمنطقة

نوع الخدمة
معدل السكان لوحدة الخدمة بالقطاع القروي
معدل السكان لوحدة الخدمة بالقطاع القروي
الخدمات التعليمية
ابتدائي بنين
4000
2000
متوسط بنين
10000
4000
ثانوي بنين
30000
6000
ابتدائي بنات
4000
2000
متوسط بنات
10000
4000
ثانوي بنات
30000
6000
ثانوي فني بنين
200000
15000
مركز تدريب مهني بنين
250000
15000
معاهد وكليات متوسطة
100000
25000


تابع مقارنة بين المعدلات التخطيطية المستخدمة في حساب الخدمات العامة بالقطاع الحضري والقطاع القروي بالمنطقة

نوع الخدمة
معدل السكان لوحدة الخدمة بالقطاع القروي
معدل السكان لوحدة الخدمة بالقطاع القروي
الخدمات الدينية
مسجد
2500
500
مسجد جمعة
10000
1500
مصلى عيد
80000
5000
الخدمات الصحية والاجتماعية
مستشفى عام
80000
2000
مركز رعاية صحية أولية
12000
5000
مكتب صحة
10000
2500
مركز إسعاف
25000
10000
مكتب شئون اجتماعية وضمان اجتماعي
150000
15000
الخدمات الأمنية
قسم أو مركز شرطة
80000
15000
مخفر أو نقطة شرطة
30000
5000
مركز دفاع مدني
30000
15000
بلدية فرعية أو مجمع قروي
80000
20000
مكتب بريد رئيس
30000
10000
مكتب بريد فرعي
15000
5000
محكمة
80000
10000
مكتب هيئة الأمر بالمعروف
30000
10000
الخدمات الرياضية
مركز شباب
50000
15000
نادي اجتماعي
50000
15000

ولعل الجدول السابق يوضح مدى الرغبة من الجهات الحكومية بالمنطقة في القضاء على الاستقطاب للسكان والأنشطة والخدمات من قبل التجمعات الحضرية الرئيسية وعلى رأسها المدينة المنورة، حتى أن حجم السكان اللازم لتوفر الوحدة الخدمية في القرى يتراوح بين 5% و30% من حجم السكان اللازم توفره لتوطين نفس الوحدة الخدمية بالقطاع الحضري بالمنطقة، ولا شك أن ذلك يمثل تمييزاً إيجابياً لصالح سكان القطاع القروي ودعماً للعدالة في توزيع الخدمات وعوائد التنمية على كافة أرجاء المنطقة.

2-4   ثمرات الجهود المبذولة لتحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية خلال الثمان سنوات الماضية

بعد إعداد المخطط الإقليمي لمنطقة المدينة المنورة ولكي يمكن تنفيذه قامت أمانة منطقة المدينة المنورة بعملية متابعة مستمرة لتوصيات هذا المخطط خلال الخطوات الثمان الماضية، ويمكن من خلال مجموعة النقاط التالية إبراز بعض المؤشرات عن النجاحات التي حققها المخطط الإقليمي للمنطقة في مجال تحقيق العدالة المكانية في نشر التنمية بأجزاء المنطقة المختلفة:

-    ازداد عدد القرى المخدومة مباشرة بطرق إسفلتية (نطاق 1 كم أو أقل من الطريق) من 187 قرية عام 1419هـ إلى 331 قرية عام 1426هـ أي بنسبة تجاوزت 170%.
-    التفوق النسبي للمحافظات التي تشمل التجمعات القروية على التجمع الحضري الرئيسي بالمنطقة (المدينة المنورة) في عدد المشروعات التنموية التي يتم اعتمادها سنوياً لكل محافظة، فبالرغم من أن المدينة المنورة تمثل حوالي 66% من جملة سكان المنطقة إلا أنها لم تحصل إلا على 28% من عدد المشروعات التنموية التي تم اعتمادها للمنطقة خلال العام المالي (1425/1426هـ).
-    لقد بلغ عدد المدارس الابتدائية للبنين التي تم اعتمادها للقطاع القروي بالمنطقة خلال العام المالي (1425/1426هـ) 11 مدرسة وهو يمثل ثلث عدد المدارس التي تم اعتمادها لكامل المنطقة خلال نفس العام رغم أن الحجم السكاني للقطاع القروي بالمنطقة يمثل أكثر من 20% من الحجم السكاني الإجمالي للمنطقة.
-    بلغت نسبة التجمعات القروية المخدومة بشبكة الكهرباء الحكومية 96% من جملة قرى المنطقة عام 1426هـ، وسوف تصل إلى 100% بنهاية عام 1430هـ حسب خطة التنمية الثامنة (1425/1430هـ).


ومازال العمل جارياً في تنفيذ توصيات المخطط الإقليمي للمنطقة والآمال معقودة على تنفيذ هذه التوصيات للنهوض بالمستوى العمراني والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة بجميع أجزائها.

============================
لتحميل الملف كاملاً: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

اضف تعليقك